هناك علاقة وثيقة بين الغذاء وأمراض القلب والأوعية الدموية, فالإفراط في تناول بعض الأغذية قد يؤدي إلى أمراض معينة، كما أن الإكثار من نوعية خاصة من الأغذية يقي القلب من أمراض أخرى, وبالمقابل, فإن أمراض القلب قد تنجم من سوء التغذية أي من نقص في عناصر يحتاج إليها القلب كي يؤدي وظيفته على الوجه الأكمل. أضف إلى ذلك أن الطبيب قد ينصح مريض القلب بالامتناع عن أغذية قد تُبطئ استجابته للعلاج أو تفاقم مشكلته الصحية، وربما ينصحه بتناول أنواع أخرى من الأغذية تساعد على استرداد القلب عافيته. وستناول هذا الموضوع بشيء من التفصيل, بإذن الله, في سلسلة من المقالات.
ملح الطعام وضغط الدم
يلعب ملح الطعام دوراً مهماً في تحديد مستوى ضغط الدم في الإنسان فزيادة نسبة ملح الطعام في الجسم تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وانخفاضها يؤدي إلى انخفاض ضغط الدم عن المعدل الطبيعي. وتقوم الكُلى بمهمة المحافظة على ثبات نسبة ملح الطعام في الدم حتى لا يتأرجح ضغط دم الجسم بين ارتفاع وانخفاض.
فهي تقوم بامتصاص كميات كبيرة من ملح الطعام من السوائل التي ترشح من الدم في قنوات الكُلى ، وتقوم بإفراز ملح الطعام في البول عند زيادته عن المعدل الطبيعي. وتقوم الكُلى بعملها هذا تحت تأثير الهرمونات التي تفرزها الغدة الكظرية. فإذا فشلت الكُلى في التخلص من ملح الطعام الفائض عن حاجة الجسم، إما لتلف في أنسجتها، وإما لزيادة في إفراز هرمونات الغدة الكظرية، فإن نسبة ملح الطعام في الجسم تأخذ في الارتفاع وتحجز معها كميات متعاظمة من الماء، وبذلك تزداد كمية السوائل في الجسم، وتمتلئ بها الشرايين فيزداد الضغط بداخلها وعلى جدرانها وهذا يقلل ارتفاع ضغط الدم المنبثق.
عن أمراض الكُلى والغدد الصماء
وتدل البحوث الطبية على أن زيادة ملح الطعام في الجسم هي سبب مباشر لمرض ارتفاع ضغط الدم الذي لا يُعرف له سبب، فلا هو ناتج عن تلف بالكُلى ولا عن خلل في الغدد الصماء. وهذا النوع من مرض ارتفاع الضغط يمثل أكثر من 80 في المائة من حالات ارتفاع الضغط. فلسبب غير معروف تعجز الكُلى الصحيحة عن الحفاظ على التوازن بين كمية ملح الطعام الداخلة للجسم عن طريق الغذاء، وبين التي يفقدها الجسم عن طريق الكُلى فيختل التوازن لمصلحة الأولى.
إن ضغط الدم المرتقع نادر الحدوث في الأجناس التي تقل نسبة ملح الطعام في غذائها، وفي المجتمعات التي تستهلك كميات كبيرة من ملح الطعام ترتفع نسبة ضغط الدم بين أفرادها. كما أن ارتفاع ضغط الدم في البدناء قد لا يكون راجعاً فقط إلى زيادة السُعرات الحرارية في غذائهم، بل أيضاً لتناولهم كميات كبيرة من ملح الطعام.
ومما يؤكد أهمية ملح الطعام في ارتفاع ضغط الدم، هو إمكانية التحكم في ضغط الدم المرتفع بتقليل ملح الطعام في غذاء المريض، وإعطاء مدرات البول التي تخفض نسبة ملح الطعام في الجسم.
وقد دل أحد البحوث أن خفض نسبة ملح الطعام في غذاء المرضى يؤدي إلى انخفاض في متوسط ضغط الدم بمقدار سبعة درجات, كما دل بحث آخر على مجموعة من مرضى ضغط الدم المرتفع تناولوا قدراً ضئيلاً من ملح الطعام فأصبح ضغط الدم لديهم طبيعيا دون تناول أي علاج خافض للضغط. لذلك يُنصح مريض ضغط الدم المرتفع بعدم إضافة ملح الطعام إلى غذائه، والابتعاد عن تناول الأغذية التي تحتوي على نسبة عالية من ملح الطعام كالزيتون والجبن والمخللات والمعلبات والأسماك المملحة، والأغذية الجاهزة أو المطبوخة التي تباع في محال ومتاجر التسويق (السوبر ماركت), كما عليه ملاحظة عدم تناول أي أدوية تحتوي على ملح الطعام كما في بعض أنواع حبوب الكالسيوم أو الأدوية التي تحبس ملح الطعام في الجسم . كبعض المسكنات كالبروفين ، والأندوسيد ومركبات الكورتزون.
ملح الطعام وقصور القلب
قصور القلب هو عجز القلب عن أن يؤدي وظيفته وقد يطلق عليه هبوط القلب فعضلة القلب تعمل كمضخة تضخ الدم إلى جميع أنحاء الجسم. فالحجرات اليمنى من القلب تستقبل الدم من جميع الجسم عن طريق الأوردة ويضخها إلى الرئتين ليعود عن طريق الأوردة الرئوية إلى الحجرات اليسرى من القلب ليضخه إلى شرايين الجسم. ينتج قصور القلب عن تطبيق أو انسداد الشرايين التاجية المغذية لعضلة القلب أو عن تلف في صمامات القلب أو عن اعتلال في عضلة القلب فإذا كان القصور في الجانب الأيسر فتمتلئ الأوردة الرئوية بالدم وتحتقن فيزداد ضغطها فترشح السوائل منها إلى أنسجة الرئتين ومن بينها الحويصلات الرئوية وتحل مكان الهواء فينتاب المريض النهجان (ضيق النفس) في الحركة والسكون وعند الاستلقاء . أما إذا كان القصور في الجانب الأيمن من القلب أدى احتقان الدم في الأوردة إلى تورم الساقين والقدمين لتجمع السوائل فيها.
يكون علاج قصور القلب بالراحة التامة للمريض كي يستريح القلب مع العقاقير التي تنشط عضلة القلب, وتزيد من انقباضها، مع موسعات الأوردة والشرايين التي تقلل من كمية الدم فيها (موسعات الشرايين), وبذلك تتحسن وظيفة عضلة القلب.
وتجدر الإشارة إلى أنه إذا امتنع المريض عن إضافة ملح الطعام إلى طعامه, فإن ذلك يعني أن غذاءه أصبح خالياً من ملح الطعام, فإن ملح الطعام يوجد بنسب متفاوتة في الخبز والخضراوات والفواكه والماء العذب الصافي.
ملح الطعام وضغط الدم المنخفض
إذا كان ملح الطعام يفاقم من مشكلة ارتفاع ضغط الدم ، فإنه قد يكون علاجاً لحالات انخفاض ضغط الدم وقصور الدورة الدموية أو هبوطها.
يترواح معدل ضغط الدم، والذي يقاس بدرجات الملليمتر الزئبقي، بين 110-130 للضغط الانقباضي (والذي يسجل عند انقباض عضلة القلب) وبين 80- 90 للضغط الانبساطي (والذي يسجل عند استرخاء عضلة القلب) وهناك شريحة من الأصحاء لا يتجاوز ضغط الدم الانقباضي عندهم 90، أما إذا انخفض ضغط الدم عن 90 مع برودة الأطراف، وزيادة النبض فإن المريض يعاني قصورا في الدورة الدموية. وقد ينجم ذلك عن فقدان السوائل كما في حالات القيء المستمر، والإسهال الشديد، والزيادة الكبيرة في كمية البول عند ارتفاع سكر الدم، والنـزيف الناتج عن الإصابات.
والعلاج الأولي لقصور الدورة الدموية هو إعطاء ملح الطعام في شكل محاليل بالوريد’ وقد يعطي المريض مركبات الكورتزون إذا كان هناك نقص في إفراز الغدة الكظرية لرفع مستوى ملح الطعام في الجسم.
أحمد محمود طـه
كلية الطب
جامعة الملك سعود بن عبد العزيز
للعـلوم الصـحية
الاقتصادية