لصواريخ الذكيّة ... الليزر ضوء مُنضبط يتحوّل مدافع تذوّب أهدافها
بيروت الحياة - 13/06/06//
لم تعد مدافع الليزر Laser Canons شيئاً من صنع الخيال العلمي، او أمراً متروكاً للمستقبل البعيد. باتت قطوفاً دانية إذ تتعاون مجموعة من أفضل الأدمغة في مختبرات الجيوش المتقدمة، وخصوصاً في الولايات المتحدة على تحقيقها.
ويألف جمهور السينما رؤية أسلحة الليزر، خصوصاً تلك السيوف الضوئية الخضر، التي يستلها محاربو الجيداي في اشرطة «حروب النجمة» Star Wars (للمخرج جورج لوكاس). وفي تلك الافلام، تبدو سيوف الليزر وكأنها أسلحة ضارية، لا يقدر شيء على الصمود في وجه قوة أشعتها.
وفي الواقع العسكري الراهن، تقود أجهزة الليزر أنظمة التعرّف الى الاشخاص والهويات والاهداف، والصواريخ الذكية، مثل «توماهوك» و «جي دام» و«هابرون» وغيرها، والطائرات التي لا يقودها طيّار لتضرب أهدافها بدقة. كما توجه انظمة التهديف بالليزر، المسدسات الرشاشة وبنادق القتال الأوتوماتيكية التي يستخدمها مُشاة البحرية الاميركية «المارينز» واندادهم من المشاة في منظومة حلف شمال الاطلسي.
تعتمد الصواريخ الحديثة والقنابل الذكية على الليزر للوصول الى أهدافها بدقة
مدافع الليزر في المستقبل القريب
يبدو ان الدخان والرائحة الكريهة والضجيج المرتفع التي تصدرها طلقات المدافع، قاربت على الإختفاء وتزمع أشعة ضوء مستقطبة غير مرئية على الحلول محلها كأسلحة للقصف التكتيكي، وربما الاستراتيجي أيضاً، إضافة الى استعمال تلك الاشعة للتصدي للصواريخ من الانواع المختلفة وتدميرها جواً. وقد لا يستغرق ذلك الأمر الا اقل من 5 سنوات!
ففي عام 2004، فتح صناعيون هذا الطريق باختبار لمصلحة سلاح الجو الأميركي، استخدموا فيه اسلحة ليزر تستمد طاقتها من تفاعل كيماوي. لكن سرعان ما تبدد الحلم. إذ تبيّن ان توليد ملايين الواطات من طاقة الليزر، وهي الكمية اللازمة للقصف العسكري، تحتاج إلى مئات الليترات من المنتجات الكيماوية السامة. كما ولّدت المدافع حزماً كبيرة الحجم من اشعة الليزر كبيرة جداً، ما أوجب إعادة تلقيمها بالمواد الكيماوية، بعد طلقات عدّة. كذلك تبيّن ان مستقبل اسلحة الليزر يعتمد على تكنولوجيتين أخريين قيد التطوير: الليزرات التي تعمل عبر أشباه الموصلات «سيمي كونداكتورز» SemiConductors (أي مثل الألياف التي تنقل الانترنت) والليزرات التي تولّد بتقنية الالكترونات الحرّة Free Electrons، وهي التي تُشبه مصابيح النيون، لكنها تعمل بأشعة الليزر.
ومن الناحية العلمية، فان تلك الاشعة تصدر وفقاً لمبدأ علمي معروف. إذ يؤدي تحفيز أنواع معينة من الذرات إلى إطلاق كميات صغيرة من الضوء التي تدعى الفوتونات، وتشبه حبات المسبحة. كل حبّة من تلك المسبحة تُسمى فوتون Photon ويحمل كمية مُحددة من الطاقة. ويتيح هذا الامر التحكم بضوء الليزر، أي انه يمكن مدّ حبل المسبحة باتجاه مُحدد.
وللمقارنة، فان نور اللمبة الكهربائية العادية يأتي من حُزم ضوء تسير في كل الاتجاهات، أي انه يتناثر ولا يتجمع في اتجاه موحدّ. يشبه ضوء اللمبة «رعاعاً» كثيري العدد، ولكنهم يركضون في اتجاهات متعددة ومتقاطعة، لذا فانهم يموجون ويهوجون من غير طائل. فيما لا يتحرك شعاع الليزر سوى باتجاه واحد ولا يحظى سوى بطول موجة واحدة تعتمد على نوع الذرات المستخدمة، فكأنه نسق عسكري مُنسق ومُنضبط. ولأن ضوء الليزر يشبه مسبحة من الطاقة، يربطها خيط واحد، فان تسليطها لمدة كافية على هدف ما يؤدي الى «قصفه» بالطاقة المختزنة في حبات المسبحة، لذا فسرعان ما يسخن ثم يذوب أو يتهاوى.
نماذج من أسلحة تجريبية تعمل بالليزر
مثل مصباح يذيب كل شيء
استعانت التجارب الاختبارية الأولى على الليزر، في الستينات من القرن العشرين، ببلورات الياقوت. ولم تتمكن تلك الأجهزة من توليد أكثر من بضع مئات من الواطات، أي ما يكفي في أشياء مثل الجراحة الدقيقة في العين. ويُعطي ذلك نموذجاً من الليزر في أشباه الموصلات. وقد بات مستخدماً في كثير من مستشفيات العالم. وفي المقابل، فان اعتراض صاروخ يستلزم قوة تصل إلى ملايين الواطات. بيد أنه يوجد نوع آخر من الأشعة التي لا تتطلب بلوريات أو مواد سامة. ويدعى هذا النوع باسم «الليزر بالإلكترونات الحرّة».
وفي نهاية السبعينات من القرن الـ 20، عمل الباحثان جورج نيل وبوب ياماموتو على تطوير هذه التكنولوجيا لمصلحة شركة «تي أر دبليو» TRW المتخصصة في أنظمة الدفاع والتي تنال عقوداً كبيرة في البحوث العسكرية. وبعد عشر سنوات من العمل، ونصف بليون دولار من الاستثمار، لم يبعث «الليزر بالإلكترونات الحرة» سوى 11 واطاً كحد أقصى، أي عُشر ما توّلده لمبة كهربائية، ما دفع البنتاغون الى التخلي عن ذلك المشروع عام 1989.
بفضل تلك الاختبارات، دعي ياماموتو عام 2003 لقيادة مشروع مختبرات لورنس في «ليفرمور» (كاليفورنيا) على الليزر في أشباه الموصلات، وبتمويل من البنتاغون أيضاً. في هذا النوع من الليزر، تتمثّل الذخيرة في صفائح شفافة بمساحة 10 أو 16 سنتيمتراً مربعاً مغطاة باللون البنفسجي. للوهلة الأولى، يمكنها أن تجهز مدافع من النوع الذي يراه مشاهدو التلفزة في مسلسل «ستار تريك» Star Treck الشهير. الفارق انها ذخيرة حقيقية. بيد أن لهذه الصفائح نقطة ضعف: فلكل عشر ثوان من الإطلاق يحتاج الليزر إلى دقيقة على الأقل ليبرد. لكن الصفائح لا تفقد أبداً من طاقتها، ما يجعلها أكثر جدوى من المواد الكيماوية كمصدر لليزر.
ويشير ياماموتو، في أحاديث يجريها بين الفينة والفينة مع بعض وسائل الاعلام الاميركية، إنه بات قريباً من الهدف (أي صنع مدافع الليزر وأسلحته).
ويُبرز عشرات من الكتل الصغيرة من الفولاذ المكربن والألومنيوم بسماكة 2.5 سنتيمتر والتي تحمل آثار حروق، ويحتوي كل منها على ثقب. يمثّل الثقب دليلاً على فعالية اشعة الليزر. ويشير اليه ياماموتو ويهتف: «غير معقول! صحيح؟ كأننا نصوب مصباح جيب عادي فيبدأ كل شيء بالذوبان»! وتمكنت اسلحة الليزر التي صنعها في شركة «ليفرمور» من توليد 45 كيلواط في آذار (مارس) عام 2005 بفضل صفائح أكبر.
ويزيد هذا الرقم ثلاثة أضعاف عما كان يستطيع توليده الجهاز نفسه منذ ثلاثة أعوام. بيد أنه يوجد عائق ايضاً. فكل صفيحة من الصفائح محاطة ببطارية من 2880 صماماً ثنائياً كهربائياً تشبه الترانزستورات الموجودة في أجهزة الراديو والتلفزيون القديمة. وعندما تشع هذه الصمامات تحفز الصفائح وتطلق التفاعل المتسلسل لليزر. وكلما عملت تلك الصمامات أكثر، ترتفع حـرارتـها ما يـؤدي الى تبعثر أشعة الليزر، وبالتالي فشلها. ولكن البنتاغون يبحث عن شعاع ليزر كامل، أي متجانس ودقيق وقوي.
أما جورج نيل، الشريك السابق لياماماتو، فانه يتابع تسويق الليزر بالإلكترونات الحرة منذ أكثر من ربع قرن في مختبر أنشأه ضمن مؤسسة «طوماس جفرسون» في مدينة «يوبورت نيوز» في ولاية فيرجينيا. ويتألف نظامه من شبكة من قنوات النحاس وأنابيب من المطاط وأنابيب من الفولاذ بأحجام مختلفة.
وتملك هذه المجموعة وظيفة مُحدّدة: توليد دفق من الإلكترونات الفائقة القوة التي تتحرك بسرعة تقارب 99،999 في المئة من سرعة الضوء. ويؤدي الأمر الى بعث حزم من الإلكترونات، التي يُمررها نيل عبر حقول من موجات الميكرو- وايف المضبوطة بدقة، بهدف توليد ضوء منضبط يمكن السيطرة على طاقته (لنتذكر انها مُكوّنة من مسبحة من الفوتونات). ثم تعبر عبر سلسلة من 29 مغناطيساً، ما يجعل شعاع الإلكترونات يسير في شكل تيار موحّد. وخلال هذه العملية تصدر الإلكترونات الفوتونات ويبدأ التسلسل التفاعلي لليزر.
تجهيز المُدمّرات بالليزرات
على الفور برز اهتمام الجيش بقدرات «الليزر بالإلكترونات الحرة». فمعظم الليزرات تفقد من طاقتها عند عبورها طبقات الجو. بيد أن الليزر بالإلكترونات الحرة يسير ضمن موجات تمكّنه من عبور تلك الاجواء وغيومها، من دون ان يتأثر بها. كما يمتلك هذا الليزر ميزة أخرى هي أن «شاحن» هذا السلاح مملوء دائماً.
وراهناً، تنفق وزارة الدفاع الاميركية 14 مليون دولار في السنة بهدف تطوير تلك الآلة، ضمن طموح لتركيب الليزرات بالإلكترونات الحرة في الجيل المقبل من مدمرات سفن البحرية الاميركية. وفي الوقت الراهن، لا تتمتع تلك السفن بمعدات دقيقة التهديف تسمح لها بمقاومة طلقات الصواريخ أو هجمات الزوارق المسلحة الصغيرة مثل ذلك الذي استعملته «القاعدة» ضد سفينة «كول» الأميركية عام 2000. في هذه الحال يكون الليزر مناسباً، ووحدها الاشعة التي توّلد من الإلكترونات الحرة «تنضبط» الى درجة تؤهلها لعبور هواء البحر، المشبع بالرطوبة والملح والبخار وغيرها.
في كانون الأول من عام 2005، تلقى نيل خبراً سعيداً. فقد قررت البحرية الاستثمار بقوة في الليزرات بالإلكترونات الحرة، عبر إنفاق 180 مليون دولار خلال 8 سنوات على بحوث تقودها فرق علمية عدّة. في المقابل، تلقى صديقه القديم ياماموتو ضربة مؤلمة، فالمال المخصص لتطوير ليزر عسكري يشبه الموصلات أعطي لفريق في شركة «نورثروب غرومان» المتخصصة في الصناعة العسكرية.
يأمل العلماء بوضع أسلحة غير تقليدية في الفضاء
ولا يختـلف جهاز شركة الأسلحة هذه كثيراً عن جهاز ياماموتو، لكنه يستعين بقطع صغيرة من الزجاج عوضاً عن أربع صفائح كبيرة. ولذا، يمكن توجيه كمية قليلة نسبياً من الطاقة على كل زجاج ما يـقـلل من عيوب الأشعة التي تصدر عنها.
ويوضح جيف سولي، رئيس المشروع لدى «نورثروب» انه «منذهل لمدى القوة التي ننالها من قطعة زجاج حجمها بحجم العلكة». وقد أعطى البنتاغون 33 شهراً لسولي لكي تصبح ليزراته جاهزة للاستخدام في ساحة المعركة. يبدو ان اسلحة الليزر اصبحت اقرب مما يبدو.
NAWAF BIN SHAYFAN